مدخل :
ميكانيكا الكم :
نظريّة فيزيائية أساسية، جاءت كتعميم وتصحيح لنظريات نيوتن الكلاسيكية في الميكانيكا. وخاصة على المستوى الذري ودون الذري. تسميتها بميكانيكا الكم يعود إلى أهميّة الكم في بنائها(وهو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمّية يمكن تقسيم الإشياء إليها، ويستخدم في للإشارة إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع، وليس بشكل مستمر). كثيرا ما يستخدم مصطلحي فيزياء الكم والنظرية الكمومية كمرادفات لميكانيكا الكم. وبعض الكتّاب يستخدمون مصطلح ميكانيكا الكم للإشارة إلى ميكانيكا الكم غير النسبية.
مقدمة عامة :
الشكل 1: كثافات الاحتمال الممثلة لدالات الموحة لإلكترون ضمن ذرة الهيدروجين ممثلة مستويات طاقة محددة (تزداد في الصورة نحو الأسفل : حيث (ن = 1, 2, 3,...) وعزوم زاوية (تزداد من sإلى pإلى d,...).
أتت النظرية الكمومية (و تسمى أيضا النظرية الكوانتية (بالإنجليزية: quantum theory))في بدايات القرن العشرين مثل النظرية النسبية لحل اشكاليات مطروحة من قبل النظرية الكلاسيكية، ويمكن تلخيص هذه الاشكاليات بعدم التناسق بين درجات حرية الجسيمات (6) ودرجات حرية الحقول (عدد غير محدود) فحسب قانون توزع الطاقة بالتساوي بين مختلف درجات حرية الجملة في حالة التوازن، الذي يؤدي إلى انتقال معظم الطاقة من الجسيمات إلى الحقول، وينتج عن هذا تصورات مخيفة مخالفة للواقع : فحسب هذه النظرة يجب على الالكترون الدائر حول النواة (حسب نموذج رذرفورد) أن يصدر أمواجا كهرومغناطيسية وفقا لمعادلات مكسويل تزداد شدتها إلى اللانهاية، وبهذا يقترب أكثر فأكثر من النواة حتى تنهار جميع الالكترونات ضمن النواة، لكن من المؤكد أن هذا لا يحصل في الواقع. تقول النظرية الكلاسيكية أيضا أن اصدارات الذرة الضوئية يجب أن تغطي جميع الترددات بنفس الشدة، لكن الواقع ينقض ذلك بشدة حيث تبدي الذرات المختلفة أطيافا خاصة تتضمن اصدار امواج ضوئية على ترددات خاصة ومحددة جدا.
تنشأ مشكلة أخرى عندما نتأمل اشكالية الجسم الأسود "وهو جسم يمتص كامل الاشعاع الساقط عليه ليعيد اصداره" حيث فشلت كل المحاولات المستندة إلى الميكانيك الإحصائي الكلاسيكي في توصيف اشعاع الجسم الأسود خصوصا في الترددات العالية حيث تبدي القوانين المتوقعة انحرافا كبيرا عن الواقع وهذا ما عرف لاحقا باسم الكارثة فوق البنفسجية.
أتت بدايات الحل في عام 1900 مع ماكس بلانك الذي اقترح فكرة ثورية هدفها التنبؤ بتناقص الأنماط العالية التردد من اشعاع الجسم الأسود بافتراض ان الاهتزازات الكهرطيسية تصدر بشكل كموم، حيث يعتبر الكم أصغر مقدار معين من الطاقة يمكن تبادله بين الأجسام وفق تردد معين، وترتبط طاقة الكم بتواتر الاشعاع المرافق له :
حيث تعبر
E عن
طاقة الكم الصادر ،nu عن تواتر
الاشعاع\تردده، h ثابت أصبح يدعى بثابت بلانك.
تأتي اشكاليات أخرى من التبصر في طبيعة الضوء ففي حين يؤكد نيوتن ان طبيعة الضوء جسيمية (فهو مؤلف من جسيمات صغيرة، وتؤيده في ذلك العديد من التجارب، نجد أن يونغ يؤكد أن الضوء ذو طبيعة موجية وتؤكد تجارب يونغ حول التداخل الضوئي والانعراج هذه الطبيعة الموجية. في عام 1923 اقترح لويس دو بروي أن ينظر إلى جسيمات المادة وذراتها أيضا على انها جسيمات تسلك سلوكا موجيا أحيانا مقترحا معادلة تشابه معادلة بلانك :
حيث : λ, طول الموجة، وp الزخم.
بدأت هنا تتضح ملامح صورة جديدة للعالم تتداخل فيها الجسيمات والحقول المهتزة بحيث يصعب التمييز بينهما وكان هذا ما مهد الطريق لظهور ميكانيك الكم عندما وضع نيلز بور نظريته الذرية التي لاتسمح للاندفاع الزاوي بأخذ قيم سوى المضاعفات الصحيحة للقيمة :
حيث تعبر L عن قيم الاندفاع الزاوي ،
n عدد صحيح (3,2,1,...)
و هكذا ظهرت مستويات للطاقة المستقرة يمكن وضع الالكترونات الدائرة فيها مفسرة ثبات التركيب والخطوط الطيفية للذرات، لكن هذا لم يكن سوى البداية. في عام 1925 قام العالم الألماني هايزنبرغ بتقديم مبدأه في الارتياب الذي ينص على عدم قدرتنا على تحديد موضع وسرعة (اندفاع) الجسيمات الكمومية بآن واحد وبدقة متناهية. كانت هذه بداية سلسلة من الصدمات التي تلقتها نظرتنا الكلاسيكية للعالم والتي تحطمت معها كل الصورة الميكانيكية الآلية التي سادت حول العالم بعد انتصارات فيزياء نيوتن المدوية في القرنين السابقين. قام هايزنبرغ بصياغة قواعد ميكانيك الكم بصياغة جبر المصفوفات فيما عرف بعد ذلك بميكانيك المصفوفات (بالإنجليزية: matrix mechanics) سنة 1926، ظهر شرودنغر بمعادلته الموجية الشهيرة التي تبين تطور دالة موجة الجسيم الكمومي مع الزمن وعرفت تلك الصياغة بالميكانيك الموجي (بالإنجليزية: wave mechanics )، لكن رغم الاختلاف الظاهري العميق بين الصياغتين فان نتائجهما كانت متطابقة، هذا ما دفع بول ديراك بعد ذلك لتوحيدهما في اطار شامل عرف بنظرية التحويل (بالإنجليزية: transformation theory).
نموذج بور للذرة:
أظهرت تجارب راذرفورد أن الذرة تتكون من مركز مشحون إيجابا يسمى نواة وإلكترونات تتحرك حولها. بينت أعمال علماء الذرة حول أطياف الإمتصاص والإنبعاث أن هذه الأطياف متقطعة وليست مستمرة. هذه الخاصية وجدت تفسيرها الأول فيما يعرف بنموذج بور للذرة. كانت أهم فرضية لبور هي أن الإلكترونات لا يمكنها سوى الحركة في مدارات دائرية يكون فيها الإلكترون مستقر أي لا يشع وإلا فإنه بعد مرور فترة من الزمن سوف يفقد كل طاقته ويسقط على النواة. هذا يعني أن الإلكترون لا يمكنه أن يحتل إلا سويات طاقة معينة أي أن طاقته مكممة. في حالة أستثارة الذرة فإن الإلكترون سوف ينتقل إلى سوية طاقة أعلى ثم يعود إلى حالته الأولى مع انبعاث فوتون ذو طاقة مساوية تماماللفرق بين طاقتي المستويين.
النظرية الكمومية حسب التصور الموجي
تمثيل ثلاثي الأبعاد لدالة الموجة في حالة خاصة Eigenstate.
لا تقوم صياغات الميكانيك الكمومي بتقديم قياسات دقيقة لخواص الجسيمات المقيسة (بالإنجليزية: observables) بل تعطي تنبؤات أي توزعات احتمالية (بالإنجليزية: probability distributions ) لجميع القيم التي يمكن أن تأخذها خاصة معينة للجسيم، فالحالة الكمومية للجسيم تتضمن احتمالات لخواصه القابلة للقياس : مثل الموضع (بالإنجليزية: Position)، العزم (بالإنجليزية: Momentum)، الطاقة (بالإنجليزية: Energy)، العزم الزاوي angular Momentum. هذه الخواص يمكن أن تشكل بقيمها توابع مستمرة (بالإنجليزية: continuous) مثل الموضع ويمكن أن تشكل توابع منقطعة (بالإنجليزية: discrete) مثل الطاقة. بهذا لا يعطيك ميكانيك الكم الموقع الدقيق لجسيم انما يعطيك احتمال وجوده في أي نقطة من الفضاء حيث يحدد مسارات يكون فيها تواجد الجسيم أعظميا(اي احتماليته اعظم من غيره) لكنه لا يلغي إمكانية وجوده في أي نقطة من الفراغ ويمكنك قول نفس الكلام بخصوص جميع الخواص الأخرى.
لكن تبقى هناك حالات معينة تتضمن تحديد قيم دقيقة لبعض الخواص, تدعى هذه الحالات بالحالات الخاصة (بالإنجليزية: Eigenstates).
لنفترض وجود جسيم غير مقيد حر الحركة، مما يعني إمكانية تمثيل حالته الكمومية بموجة ذات شكل افتراضي غير معين وتمتد على كامل الفضاء ندعوها بدالة الموجة. قياسات الجسم في هذه الحالة تتضمن موضعه وعزمه. فلو أخذت دالة الموجة سعة عالية جدا في موضع (س) وكانت قيمها معدومة (صفر) في كل الأماكن الأخرى فهذا يعتبر حالة خاصة للموضع : يتحدد بها موقع الجسيم بدقة. في الوقت ذاته يجب ألا ننسى أن هذا يتضمن عدم القدرة إطلاقا على تحديد قيمة العزم حسب مبدأ الارتياب. لكن في الحقيقة لا توجد مثل هذه الحالات الخاصة للخواص المقيسة لكن تدخلنا بعملية قياس أي من الخواص يحول تابع موجته من شكلها الأصلي إلى حالة خاصة لهذه الخاصة وهذا ما يدعى بانهيار الموجة wave collapse.
لوصف الأمر بشكل أكثر دقة :
لنفترض جسيما كموميا وحيدا : من وجهة نظر كلاسيكية يلزمنا تحديد موضع وسرعة الجسيم أما النظرية الكمومية بالصياغة الموجية لشرودنغر قتعتبر ألا وجود لمثل هذا الخواص المقيسة مثل : الموضع، العزم، الطاقة فكل موضع متاح للجسيم هو موقع محتمل وكل قيمة متاحة للطاقة هي قيمة ممكنة أيضا، والاختلافات بين قيمة وأخرى هي اختلافات في الاحتمالات. حيث يكون لهذه الدالة في كل موقع(س) قيمة معينة () تدعى سعة وجود الجسيم في الموضع (س)، فيكون احتمال وجود الجسيم في الموقع (س) هو ببساطة مربع سعة وجود الجسيم في الموقع (س). اما عن حالات اندفاع الجسيم فسنضطر هنا إلى اجراء تحليل توافقي لدالة الموجة ومجموعة توافقيات هذه الموجة يمثل الحالات الممكنة لاندفاعات الجسيم وبهذا نحصل على دالة موجية للاندفاع ضمن فضاء افتراضي للاندفاعات تكون غالبا بشكل أمواج اما شديد التراص مما يدل على حالة شديدة الاندفاع أو قليل التراص وهذا يمثل حالات قليلة الاندفاع.
تقوم معادلة شرودنغر بوصف تطور دالة الموجة مع الزمن وبهذافهي تقوم بالتنبؤ الدقيق للحالات الكمومية للجسيم في أي لحظة وبهذا تقدم لنا قانونا ثابتا يشرح تطور الدالات الموجية بكل دقة، هذه الدالات التي تكون في داخلها جميع قيم الموضع والاندفاع المحتملة. فدالة الموجة التابعة للجسيم حر الحركة تتنبأ بان مركز الحزمة الموجية سيتحرك مع الزمن بسرعة ثابتة وبنفس الوقت سيزداد امتداد الموجة ليصبح الموضع أكثر فأكثر غير محدد. توجد أيضا بعض الجمل الكمومية المستقرة التي لا تبدي تغيرا مع الزمن كحالة الالكترون في ذرة الهيدروجين والذي يصور في ميكانيك الكم كموجة احتمالية مستقرة دائرية : يكون تواجد الالكترون أعظميا ضمن بعد معين من النواة في حين يقل الاحتمال تدريجيا كلما ابتعدنا عن النواة. تطرح معادلة شرودنغر اذن تطورا حتميا للدالة الموجية (يدعى هذا التطور بالتطورU) فهي تحدد بدقة قيم الدالة في جميع نقاط الفضاء في أي لحظة زمنية، لكن الطبيعة الاحتمالية لميكانيك الكم ينشأ من التدخل بعملية القياس لتحديد إحدى الخواص المقيسة للجسيم عندئذ يحصل التطور R اللااحتمالي تأخذ بموجبه الخاصة المقيسة أيا من القيم المتاحة لها حسب قيمة احتمالها وهذا ما يكافئ ما دعوناه مسبقا ب
نتائج النظرية
مثنوية (جسيم/موجة)و مبدأ الارتياب
لا يعطينا ميكانيك الكم تنبؤا دقيقا بنتيجة رصد أو قياس جملة كمومية أو جسيم كمومي انما يكتفي بإعطاء محموعة من النتائج الممكنة والمختلفة لكل منها احتمال وجود معين. كما لا يستطيع تحديد طبيعة الجسيم ان كانت جسيمية أو موجية فهو يعتبر هذه الطبيعة نتيجة الرصد والقياس فعندما توجه اهتمامك للخاصية الموجية للجملة ترصد تلك الخواص وعندما تهتم بالخواص الجسيمية تبدو الجملة بشكل جسيم.
أول ما ظهرت هذه المثنوية (
جسيم /
موجة) في تجربة يونغ الضوئية الشهيرة، فاستخدام ثقب واحد لمرور الضوء كان يؤكد الخاصية الجسيمية (التي تجلت فيما بعد بما دعي الفوتون) في حين كان فتح ثقبين يؤدي لظهور مناطق التداخل المضيئة والمظلمة. انعراج الضوء كان دليلا واضحا أيضا على طبيعة الضوء الموجية في حين أكدت أطياف الذرات وتفسير ماكس بلانك لها بأن الضوء عبارة عن طاقة تصدر بشكل كميات متقطعة متجانسة تدعى الكموم (و تمثلت تلك الكموم بالفوتونات في تجربة المفعول الكهرضوئي) الطبيعة الجسيمية للضوء.
أتت بعد ذلك علاقة دوبروي ومبدأ الارتياب (بالإنجليزية: Uncertainity principle) لهايزنبرغ ليمددا هذا التصور المثنوي باتجاه جميع الجسيمات الذرية (بالإنجليزية: atomic particles) وتحت الذرية (بالإنجليزية: sub-atomic)، وأصبح من الممكن الحديث عن تداخل الاجسام كما الحديث عن تداخل الأمواج، فقد أجريت تجربة مشابهة تماما لتجربة يونغ استخدم بها الالكترونات بدلا من الفوتونات الضوئية وحصلنا بالمقابل على مناطق ذات شدة إلكترونية ومناطق محرمة على الالكترونات وهذا عزز التأكيد أن الالكترونات كما الفوتونات تتصرف كموجة وجسيم معا. واذا اعتمدنا تفسير كوبنهاجن لميكانيك الكم فان كل الجمل الكمومية ليست لا موجة ولا جسيم إنما دالة موجية (بالإنجليزية: wave function) تعبر عن نفسها كموجة (بالإنجليزية: wave) أو جسيم (بالإنجليزية: particle) حسب توجه عملية الرصد البشري والقياس.
[عدل]مبدأ الارتياب في الطاقة والزمن
لا يقتصر دور مبدأ الارتياب لهايزنبرغ على تقييد مقدار الدقة (بالإنجليزية: certainty) الممكنة في تحديد الموضع (بالإنجليزية: Position) والاندفاع بل يتعداه إلى كافة الخواص الفيزيائية كالطاقة (بالإنجليزية: Energy) والزمن (بالإنجليزية: Time); فطاقة الفوتون مثلا تتحدد بتحديد تواتر (بالإنجليزية: frequency) أمواج الضوء لكن تحديد هذا التواتر يتطلب عد الاهتزازات في فترات زمنية من مضاعفات زمن اهتزاز الموجة، الذي يمثل أصغر فترة زمنية لانجاز اهتزاز ضوئي وحيد. بالتالي هناك حدود لقياس الزمن مطلوبة لتحديد التواتر واستخدام فترات زمنية أصغر من زمن اهتزاز الموجة الضوئية يجعل طاقة الفوتون غير محددة، مما ينشيء علاقة ارتياب جديدة بين الطاقة والزمن. تتجلى هذه العلاقة الارتيابية في ظاهرة الأطياف فأحداث تهييج قصير المدة لمجموعة متماثلة من الذرات يؤدي إلى نقل بعض الالكترونات إلى سويات طاقية أعلى لكن غير محددة (بسبب قصر الفترة الزمنية) بالتالي نحصل على طيف ضوئي متنوع الأمواج (يغطي المجالات الضوئية السبع وفوق البنفسجية وتحت الحمراء)، بالمقابل عندما نقوم بعملية تهييج ذرات لقترات زمنية طويلة تسمح بكون السويات الطاقية (بالإنجليزية: energy levels) للالكترونات المهيجة (بالإنجليزية: excited electrons) محددة, وبالتالي نحصل على طيف (بالإنجليزية: spectrum) ذو خطوط موجية معينة تعكس البنية المدارية للذرات.
مثل هذا الاستنتاج قد يعمل على تعطيل قانون حفظ الطاقة في فترات زمنية قصيرة جدا، بصياغة أخرى يمكن للجملة الكمومية الحصول على قرض طاقي بشرط ان تعيده خلال مدة زمنية قصيرة جدا، تتحدد مدة القرض الطاقي بكمية الطاقة فكلما ازداد مقدار الطاقة وجبت اعادتها في زمن أقل : ينتج عن هذا ععدد من النتائج المهمة مثل : (تبعثر الضوء بفعل الذرات، مفعول النفق وهو عملية اجتياز بعض الجمل الكمومية لحواجز طاقية مرتفعة عن طريق قروض طاقية : يفسر مفعول النفق قدرة العديد من الجسيمات الكمومية على اجتياز بعض الحواجز الطاقية رغم عدم امتلاكها للطاقة اللازمة بنسب احتمالية، ويدخل هذا في تفسير ظاهرة العناصر المشعة.
صياغة ديراك لميكانيك الكم
قام بول ديراك بوضع ميكانيك الكم بصيغتيه : ميكانيك المصفوفات (بالإنجليزية: Matrix Mechanics) والميكانيك الموجي (بالإنجليزية: Wave Mechanics) ضمن صياغة أشمل جمعها بنظرية النسبية الخاصة وهذا ما أدى إلى عدد من النتائج الجوهرية أولها :
إدخال خاصية دوران الأجسام الذرية حول نفسها (بالإنجليزية: Spin) : فالالكترون يدور حول النواة كما يدور حول نفسه وهذه الخاصة دعيت بالسبين (بالإنجليزية: spin). كما اسند للسبين قيمة عددية تشرح خاصيات الدوران الجسيمي :
تنبأت نظرية ديراك بسويات طاقية ضمن الذرة غير مكتشفة بعد، فلكل حل يصف الكترونا في سوية طاقية يوجد حل نظير تماما (كخيال المرآة) يماثله في الخواص والطاقة لكن طاقته سالبة، وجود مثل هذا الجسيم يمكن أن يؤدي في حالات معينة لظهور اجسام شبيهة بالالكترونات ذات شحنة موجبة وطاقة موجبة دعيت بالبوزيترون : وقد ثبت ظهور هذه البوزيترونات في بعض التفاعلات النووية. وكان هذا بداية اكتشاف المادة المضادة التي تنشأ عن جسيمات الطاقة السالبة.
نتج مبدأ الانتفاء لباولي عندما كان يدرس اجتماع الجسيمات ذات السبين : حيث بين انه لا يمكن لجسيمين كموميين أن يحتلا نفس السوية الطاقية، فحتى الإلكترونين المحتلين لمدار (سوية طاقية) واحد ضمن الذرة يجب أن يكون احدهما ذو سبين +2/1 والآخر -2/1 وبهذا تكون حالتهما الكمومية مختلفة.
تفسيرات النظرية الكمومية.
تقوم النظرية الكمومية بتقديم تصور غريب عن العالم الذري ودون الذري يصدمنا ويبعدنا عن كل ما الفناه في الواقع الحياتي وما تقدمه الفيزياء الكلاسيكية من تصورات. لكنها بالرغم من كل ذلك تنجح إلى حد بعيد في تفسير حقائق العالم دون الذري وتعزز صحتها يوما بعد يوم بتقديم تنبؤات غريبة لكن كل التجارب العلمية تأتي فيما بعد لتؤكد هذه التنبؤات. كل هذا أدخل ميكانيكا الكم في عمق نقاشات فلسفية حول طبيعة ما تطرحه ومدى قربه من الحقيقة، حتى أن ميكانيكا الكم طرحت نفس قضية الحقيقة كموضع سؤال، ومن أهم هذه المناقشات والتجارب الفكرية : قطة شرودنغر وصديق فاغنر.
لقد قدمت عدة وجهات نظر لتفسير نتائج واستنتاجات النظرية الكمومية : أول هذه النظريات يعرف بتفسير كوبنهاجن ويعود بشكل أساسي إلى بور وزملائه، الذين يؤكدون أن الطبيعة الاحتمالية (بالإنجليزية: probabilistic) لتنبؤات نظرية الكم لا يمكن تفسيرها بأي نظرية حتمية (بالإنجليزية: deterministic) أخرى، وهي صفة أصيلة في الطبيعة التي نعيش بها وليست نتاجا لنقص في المعرفة والمعلومات نعاني منه. باختصار النظرية الكمومية ذات طبيعة احتمالية لأن الطبيعة ذات طبيعة احتمالية أساسا فما تفعله النظرية الكمومية هو تصوير الأمر كما هو.
على الطرف الآخر وقف أينشتاين أحد مؤسسي الكمومية ليعلن رفضه للاحتمية الكمومية التي تنشأعن احتمالية القياسات، قائلا (إن الإله لا يلعب النرد (بالإنجليزية: God doesn’t play dice)). كانت هذه العبارة الشهيرة بمثابة رفض قاطع لفكرة ان تكون للطبيعة أصالة احتمالية، مرجحا فكرة ان هناك نقص في المعلومات المتوفرة لدينا يؤدي إلى تلك الطبيعة الاحتمالية للنتائج وعليه فنظرية الكم ناقصة ينبغي اكمالها عن طريق تعويض النقص بالمعلومات وهو ما دعاه بالمتغيرات الخفية (بالإنجليزية: hidden variables) فعن طريق هذه المتغيرات يمكن صياغة نظرية كاملة ذات طبيعة حتمية.
ظهرت بعد ذلك بعض التفسيرات التي تضاهي بغرابتها نتائج ونبؤات الكمومية مثل نظرية العوالم المتعددة لايفريت، حيث تقول هذه النظرية بأن جميع الاحتمالات التي تطرحها نظرية الكم تحصل فعليا بنفس الوقت في عدد من العوالم المستقلة المتوازية. وبالتالي يكون الكون المتشعب حتميا في حين أن كل كون فرعي لن يكون الا احتماليا.
هناك أيضا تفسير بوم يعود إلى ديفيد بوم ويفترض وجود دالة موجية عالمية غير محلية تسمح للجزيئات البعيدة بأن تتفاعل مع بعضها بشكل فوري. اعتمادا على هذا التفسير يحاول بوم أن يؤكد أن الواقع الفيزيائي ليس مجموعة من الجسيمات المنفصلة المتفاعلة مع بعضها كما يظهر لنا بل هو كل واحد غير منقسم ذو طبيعة حركية متغيرة دوما.